لماذا قد تفكر مرتين قبل شكر "تشات جي بي تي"
الصورة بواسطة Courtney Hedger على Unsplash
في عصر تهيمن عليه التكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي رفيقًا يوميًا للكثيرين. ومع تزايد استخدامنا لتطبيقات مثل "تشات جي بي تي"، يبرز سؤال حول طبيعة تفاعلنا مع هذه الأنظمة الذكية: هل من اللائق، أو حتى من المنطقي، أن نوجه عبارات الشكر والتقدير لـ "تشات جي بي تي" كما نفعل مع البشر؟ قد تبدو الإجابة بديهية، لكنها تفتح الباب أمام اعتبارات أعمق تتعلق بعاداتنا الاجتماعية وتكاليف التكنولوجيا الخفية.
لغة الشكر وأنسنة الآلة
الشكر ليس مجرد كلمة، بل هو تعبير إنساني عميق، لغة تبني الجسور وتصلح العلاقات وتعزز الروابط الاجتماعية. كلمة "شكرًا" تحمل وزنًا عاطفيًا وثقافيًا، فهي تعترف بالجهد وتقدر العطاء. لكن، هل ينطبق هذا على تفاعلنا مع برنامج حاسوبي؟ نميل كبشر إلى "أنسنة" الأشياء غير البشرية، أي إضفاء صفات إنسانية عليها. نتعامل مع "تشات جي بي تي" بأدب، ربما لأننا نأمل ألا نفقد لمستنا الإنسانية في عالم يزداد آلية، أو كما تشير بعض الدراسات، لأن التفاعل الشبيه بالبشر يبني الثقة ويجعل التجربة أكثر سلاسة.
التكلفة الخفية للمجاملة الرقمية
بعيدًا عن الجانب الفلسفي، هناك جانب عملي ومكلف لهذه اللباقة الرقمية. عندما سُئل سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" المطورة لـ "تشات جي بي تي"، عن التكلفة المترتبة على استخدام المستخدمين لعبارات مثل "من فضلك" و"شكرًا"، جاءت إجابته مفاجئة للبعض. فقد أوضح أن هذه الكلمات الإضافية، التي تتطلب معالجة إضافية من النظام، تكلف الشركة "عشرات الملايين من الدولارات" سنويًا في صورة استهلاك إضافي للطاقة، واصفًا إياها بأنها "أموال أُنفقت في محلها"، ربما تقديرًا لرغبة المستخدمين في التفاعل الإنساني.
تكاليف الطاقة المرتفعة
يعتمد "تشات جي بي تي" وغيره من نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة على مراكز بيانات ضخمة تعمل على مدار الساعة. تتطلب هذه المراكز كميات هائلة من الكهرباء لتشغيل الخوادم وأنظمة التبريد. تشير التقديرات إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات ككل، والذي يشمل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، قد يستهلك نسبة متزايدة من الكهرباء العالمية، خاصة مع التوسع الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي (كما توضح التقارير حول التكلفة البيئية للذكاء الاصطناعي). كل كلمة إضافية، حتى لو كانت مجاملة، تزيد من عبء المعالجة وبالتالي استهلاك الطاقة.
استهلاك المياه للتبريد
إلى جانب الكهرباء، تستهلك مراكز البيانات كميات كبيرة من المياه، غالبًا لأغراض تبريد الخوادم التي ترتفع حرارتها بشدة أثناء التشغيل. تشير بعض الدراسات إلى أن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة يمكن أن يستهلك مئات الآلاف من اللترات من المياه. حتى الاستخدام اليومي يتطلب تبريدًا مستمرًا. فمراكز البيانات تعتبر مستهلكًا كبيرًا للمياه، وهو أمر يثير القلق خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه. كل محادثة مع "تشات جي بي تي"، بما في ذلك عبارات المجاملة، تساهم بشكل ضئيل في هذا الاستهلاك.
كيف يتفاعل الناس؟ وهل الأدب ضروري مع الآلة؟
أثارت دعوات تقليل المجاملات مع الذكاء الاصطناعي ردود فعل متباينة. على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر الكثيرون عن عدم ارتياحهم لفكرة التخلي عن الأدب، حتى مع آلة. فالبعض يرى أن الأمر يتعلق بالتعود والأخلاق الشخصية، بينما يشعر آخرون بأن الحفاظ على الأسلوب المهذب يعكس إنسانيتنا.
- أشار أحد المستخدمين إلى أن كتابة "شكرًا" و"من فضلك" هي مسألة ذوق وأدب يصعب التخلي عنها.
- أظهرت إحصائيات حديثة أن نسبة كبيرة من المستخدمين في الولايات المتحدة (حوالي 67%) وبريطانيا (حوالي 71%) يتعاملون بأدب مع "تشات جي بي تي".
- المثير للاهتمام أن نسبة من هؤلاء المستخدمين (حوالي 18% في استطلاع أمريكي) أفادوا بأنهم مهذبون تحسبًا لـ"انتفاضة ذكاء اصطناعي" مستقبلية، بينما الغالبية (82%) يفعلون ذلك ببساطة لأنه السلوك اللائق.
خاتمة: بين العادة الإنسانية والتكلفة البيئية
في نهاية المطاف، يقف المستخدم أمام مفارقة: هل نتمسك بعاداتنا الاجتماعية في التعبير عن الامتنان، حتى لو كان المتلقي مجرد خوارزمية، أم نأخذ في الاعتبار التكلفة البيئية والمادية المترتبة على كل كلمة إضافية؟ ربما لا يوجد جواب صحيح أو خاطئ، لكن النقاش بحد ذاته يدعونا للتفكير بشكل أعمق في علاقتنا المتنامية مع التكنولوجيا وتأثيراتها غير المرئية. هل يجب أن نغير سلوكنا لنتكيف مع قيود التكنولوجيا، أم يجب على التكنولوجيا أن تتطور لتستوعب طبيعتنا البشرية دون تكلفة باهظة؟ هذا هو السؤال الذي سيستمر معنا مع تطور الذكاء الاصطناعي.